أكد رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة على أهمية عدم إلغاء أية فرضية خلال البحث والتحقيق عن الجهة التي يمكن أن تكون نفذت أو خططت لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، معتبرا أن كل الفرضيات والاحتمالات يجب أن تخضع للبحث والتحقيق والتدقيق وما خَفِيَ اليوم قد تظهرُ معالمُهُ غداً..وقال : ان الواجب ان تُترك للمحكمة مهامُّها من دون تدخل او ضغط، او محاولة للتأثير، مع الترحيب بكل الجهود الهادفة الى كشف الحقيقة ، حقيقة الجريمة ومن وقف خلفها. ولهذا فاننا رحبنا ونرحب بكل الجهود التي بُذلت لتقديم معلومات ومعطيات وقرائن وتحليلات في هذا الاتجاه على أن تتولَّى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باعتبارها صاحبة الاختصاص، التدقيقَ والتمحيص والتأكد وتأخذ وقتها الكامل قبل اصدار الاحكام والاتهامات.

الرئيس السنيورة كان يتحدث خلال رعايته حفل الافطار السنوي لجمعية جامع البحر الخيرية في صيدا في واحة دار السلام في المدينة بحضور النائب علي عسيران ومفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان ومفتي صيدا الجعفري الشيخ محمد عسيران ومحافظ الجنوب الوكالة نقولا بوضاهر ورئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي ورئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب محمد الزعتري ورئيس تجمع صناعيي الجنوب محمد حسن صالح وحشد من الفاعليات الصيداوية والجنوبية ، وكان في استقبالهم رئيس جمعية جامع البحر الحاج أحمد البابا وأعضاء الهيئة الادارية والهيئة العامة .

السنيورة
بعد كلمة ترحيب من رئيس الجمعية الحاج أحمد البابا ، تحدث الرئيس السنيورة فقال: صارت جمعيةُ جامع البحر بالتزامها وأعمالها والسُمعةِ التي بناها أعضاؤها وأهلُ صيدا من حولها، علامةً بارزةً من علامات المدينةِ العريقة. ونحن من جانبنا نغدو ونروحُ إلى جامع البحر وجمعيته، للدفْء الذي تنشُرُه في الأرجاء، كأنما هي الملاذُ من عواصف البحر وأَنْوائه. ويذكر كبارُ أهل المدينة، أنه عندما جاء إخوتُنا من فلسطين عام 1948 إلى صيدا على أَثَر النكبة، فإنهم أَوَوا أولَ وصولهم إلى جامع البحر، حامل سرّ هذه المدينة، وأحد مَواطن قوتِها الكثيرة. يومَها قال لهم شيخُ الجامع: أنتم أيها الإخوانُ لستُم غرباءَ عن صيدا، كما أنّ أهلَ صيدا ليسوا غُرباء عنكم. لقد كنا نذهبُ إليكم زائرين وعاملين باعتبارِكُم حاضِرتَنا، وها أنتم تأتون إلينا اليوم وإنْ في ظروفٍ صعبةٍ، لنؤكّد مرةً أُخرى أننا سنبقى معاً في السرّاء والضرّاء. لقد أردْتُ البدءَ بِشاراتِ الموقع الوطني والعربي والإسلامي للجامع ولصيدا والجمعية، باعتبار هذا الموقع الجامع هو عَلَمُ هذه المدينة وأحد معاني وجودِها الباقي. فنحن منذ ما قبل العام 1948 وإلى اليوم نحيا اختياراً والتزاماً على وقْع أحداث فلسطين ونضالاتِها ونضالات إخوتنا وأبنائنا من أجل الحرية والعروبة واجتراح المستقبل بالدم والدموع واحتضان القضية وأهلِها. وليس بقدْر ما نستطيع، بل بقدْر ما يقتضيه الالتزامُ الوطني والقومي، وبقدْر ما يقتضيه التحدي الكبير الذي يُواجهُ أمتَنا في تحرُّرها ونهوضِها وصُنْع مستقبلِها.لقد أُريدَ لنا أن نعيشَ على وقْع ثُنائياتٍ متناقضةٍ، من مثل اللبنانية أو العروبة، وفلسطين أو لبنان، والدولة أو المقاومة، والطائفية أو الديمقراطية. لكننا أصررْنا دائماً على أننا لبنانيون وعربٌ دونما تناقُضٍ أو تَنَافٍ، ولبنانُنا هو لبنانُ العربي، وفلسطينُنا هي فلسطينُ العربية. وفي لبنانَ تعدُّدٌ وتنوعٌ طائفيٌّ ومذهبيٌّ، وهو أحد أهم ميزات صيغته الفريدة القائمة على العيش المشترك والانفتاح والحرية والاعتدال والتسامح، ونظامه الديمقراطيَّ البرلماني ضَروري له ولمحيطه. ولا بقاءَ للوطن اللبناني، وللشعب اللبناني، في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، وفي إدارة الشأن الداخلي والشأن العام، إلاّ بالدولة الديمقراطية والقوية والقادرة، التي تمثل الجميع ويحترمها الجميع، والتي تبسطُ سلطتها على كامل أرضها، وتحمي حدودَها بالجيش الوطني الواحد والجامع، وتكسبُ ولاءَ مواطنيها بالمُساواة أمام القانون ولا تخضع لسيطرة أحد من الأطراف وتعمل على صَون المصالح الوطنية والقومية، وتثابر بالجهد من أجل التقدم على مسار صُنع المستقبل الزاهر لشبابِها دونما تفرقةٍ أو تمييز.

لماذا أذكُرُ هذا كلَّه الآن، وليس للمرة الأُولى. لأننا عُدْنا لمواجهة خياراتٍ أو إرغاماتٍ صعبةٍ ومُوجِعة. وأنتم تعلمون وتتابعون التطورات مؤخراً ولا يمكننا أن نقول أننا لم نر ولم نسمع، بل نحن كما كل اللبنانيين متابعون بجد وجدية وهدوء، لكن في ذات الوقت متنبهون ومتمسكون بالأُسس التي قامت عليها الثوابت والاجماعات اللبنانية والوطنية.. لسنا من أنصار تغيير الاتجاهات كل يوم، فقد اجمع اللبنانيون وتوافقوا على جملة من القضايا لا نجد أن هناك ما يبرر الخروج عليها. اجمع اللبنانيون على العيش معاً والتشارك في هذا الوطن اللبناني العربي وعلى النظام الديمقراطي وعلى الميثاق الوطني الذي أُقِرَّ في الطائف بكل مندرجاته كصيغة حكم ونظام، وعلى الاحتكام للأساليب السلمية والحضارية والحوارية والأسس والمنطلقات المدنية. كما اجمع اللبنانيون على أن تكون المحكمة الدولية أداة ووسيلة لكشف حقيقة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء الأبرار وإحقاق العدالة.. لهذه الأسباب لا يمكننا ان نبدل من قناعاتنا مع طلوع كل شمس، ولهذه الأسباب فاننا لم نوافق أو ننزلق إلى ممارسات ترمي الاتهامات جُزافاً بحقّ الاخرين وتطلقُ أحكاماً مسبقة، فالواجب ان تُترك للمحكمة مهامُّها من دون تدخل او ضغط، او محاولة للتأثير، مع الترحيب بكل الجهود الهادفة الى كشف الحقيقة ، حقيقة الجريمة ومن وقف خلفها. ولهذا فاننا رحبنا ونرحب بكل الجهود التي بُذلت لتقديم معلومات ومعطيات وقرائن وتحليلات في هذا الاتجاه على أن تتولَّى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باعتبارها صاحبة الاختصاص، التدقيقَ والتمحيص والتأكد وتأخذ وقتها الكامل قبل اصدار الاحكام والاتهامات. ونحن في هذا المجال لا نشجع بل نؤكد على أهمية عدم إلغاء أية فرضية خلال البحث والتحقيق عن الجهة التي يمكن أن تكون نفذت أو خططت لجريمة الاغتيال فكل الفرضيات والاحتمالات يجب أن تخضع للبحث والتحقيق والتدقيق وما خَفِيَ اليوم قد تظهرُ معالمُهُ غداً.. ولقد قال لنا كثيرون بالداخل والخارج: لماذا هذا الإصرار على العدالة والحقيقة، وأنتم تعرفون أنّ تاريخَ لبنان الحديث مليءٌ بالحروب والنزاعات، والتي كانت تنتهي دائماً بتسوياتٍ مؤقتةٍ لا تلبثُ أن تنفجر، لتعودَ الأُمورُ إلى ما كانت عليه من قلاقلَ واضطرابات. وكنا نقولُ لهم ولأنفُسِنا قبل ذلك: ما من نزاعٍ داخليٍّ إلاّ وينتهي بتسْوية، ولكننا لسنا من أنصار الحلول الانقلابية، لكننا نريد ونعملُ على أن تكون الدولةُ دولة عادلة تحمي مواطنيها وتصون حرياتهم وتحرص على أن لا يبقى اي مجرم في منأى عن العقاب . لماذا ؟ .. ليتعظ به الآخرون ويطمئن بذلك الناس لحاضرهم ولغدهم. الدولة الديمقراطيةُ الجامعةُ هي التي نتفق من حولها لكي لا تكونَ التسوية مؤقتَّةً ولا تأتي بالتالي على حساب أحدٍ من المُواطنين. فالدولةُ هي القاسم المشتركُ بين المواطنين وبين الفُرقاء السياسيين. وإذا تجاوزت التسويةُ الدولةَ، انتفى معنى المُواطنة، ومعنى الوطن. إنّ كلَّ التسويات التي تنطلقُ من محاولات الحلول محلَّ الدولة أو تعطيلَها وعرقلتَها، او العيشَ إلى جانبها، لا تُرضي اللبنانيين، ولا تحلُّ المشكلات التي تشتدُّ معاناتُنا منها. ولهذا فنحن متشبثون بالدولة الواحدة والجامعة، وبالعمل على أن يظلَّ الإجماع الوطني بالطائف هو حجر الزاوية في هذا الحضن الذي اختاره اللبنانيون وطناً وأُفقاً للعيش والعلاقة بأشقّائهم وبالعالم.لقد قررنا أنْ لا نغضبَ وأن لا نخاف. فالغَضوبُ لا يستطيعُ التفكير، والخائفُ عاجزٌ عن التدبير. والخروجُ من الغضب والخوف هو خروجٌ من الذُلّ والكبرياء. لقد خَبَرْنا الأيامَ والتجاربَ والمِحَن. وها هو رمضانُ الحاضرُ في أعماق نفوسِنا وفي تصرفاتِنا، يعلِّمنا الصبر، ويعلّمنا الحكمة، ويدفعُنا للثقة بالله عزّ وجلّ، ثم بأنفُسِنا وقُدُراتِنا. سيقول قائل إنّ هذا كلامٌ أخلاقيٌ، وليس كلاماً سياسياً. ونحن نقول إنّ السياسةَ هي الأخلاق، والسياسةُ خارج القيم الأخلاقية تَشاطُرٌ واحتيال. وعلى طريقة الأديب اللبناني جبران خليل جبران: ويلٌ لأُمةٍ يقلُّ فيه الأذكياء والحكماء ويكثر فيها الشُطّارُ والمتشاطرون!

لقد وضعنا نصب أعيننا أهدافاً عامة أساسية للعمل عليها في مدينة صيدا، حين تقدمنا لحمل مسؤولية ان نكون نوابا عن هذه المدينة واهم هذه الأهداف: اولها التمسك بالدولة ومؤسساتها قولاً وعملاً، الدولة الديمقراطية والمنفتحة والعادلة. وثانيها: السعي لاستنهاض قدرات وإمكانات أبناء مدينة صيدا والقاطنين فيها. وفي هذا المضمار صممنا على العمل على أن يصار إلى تنفيذ كل المشاريع التي كانت مخططة ومعدة وتلك التي تم استحداثها وتحريكها في المدة الأخيرة منذ ان حُزْنا على ثقتكم لتمثيلكم في الندوة النيابية. ولقد قطعنا نحو هذه الغاية اشواطاً متقدمة، ان في التحضير وتأمين التمويل وكذلك في الدفع باتجاه التنفيذ. ولقد بات الأمر أيسر من السابق على وجه الخصوص بعد انجاز الانتخابات البلدية الأخيرة. ونحن لذلك نعول الكثير الكثير على المجلس البلدي الجديد برئاسة الأخ محمد السعودي وجميع أعضاء البلدية. ولقد بدأت بعض الخطوات والأعمال بالظهور والتبلور والتحقق والآتي من الأيام مليءٌ بالوعود ، لكنه ايضا مليء بالعمل وبالجهد وبالعرق والمثابرة وان شاء الله بالانجاز.. إن التقدم على مسارات رحلة الإنماء والنهوض في المدينة ليست بالأمر السهل ولكنها حتماً ليست بالأمر المستحيل. وهذا شأن تقع مسؤولياته أولاً على نائبي المدينة أي السيدة بهية الحريري وأنا، لناحية متابعة المشاريع وتحريكها وتأمين ظروف تنفيذها. كما تقع المسؤولية في التنفيذ على أجهزة الدولة من جهة والمجلس البلدي ورئيس البلدية من جهة ثانية. لكن كل ذلك أيها الإخوة، لا يمكن أن يحقق النجاح الذي نتمناه من دون تكاتف الجميع من ابناء المدينة، جميع فئات مجتمع صيدا الأهلي بأفراده ومؤسساته. وليكن واضحاً لدينا جميعاً أنه من دون بث روح وذهنية عمل الفريق والحفاظ على المدينة وحماية مكتسباتها وتعزيز الأمن والنظام فيها وتعزيز جماليتها وجاذبيتها للزائرين والمستثمرين لكي تصبح مقصداً لهم ولنشاطاتهم واهتماماتهم، ما لم يكن ذلك فسوف يتراجع الإنجاز وسنفتح الطريق بأيدينا لمن يستهويه العمل على تخريب ما هو موجود أو تعطيل ما هو قيد الإنجاز أو في الحد الأدنى طغيان حالات السلبية والتخاذل والإحجام.. ان الحفاظ على النظام والانتظام وحماية ما قد تحقق وما يجدر بنا أن نحققه مسؤوليتنا جميعاً، شيباً وشباباً وشابات في مدينة صيدا، وفي مؤسسات صيدا وفي مجتمعها الأهلي. انه هكذا بالتعاون والتكاتف والوعي بين الجميع يمكننا أن نتطلع ونسير إلى الأمام عاقدين الخناصر، شاحذين الهمم ، ماضين في العمل سوية ومثابرين دون كلل أو ملل أو تخاذل.

لقد كانت هذه دائماً سيرة جمعية جامع البحر: تثقُ بالله وبأهل صيدا الطيّبين، وتأسو الجراح، وترعى الفقراء والمُعْوِزين، وتُصْغي لنداء الضعفاء وذوي الحاجة. بالأمس كانت الجمعيةُ تخطو خُطواتٍ صغيرةً ومتواضعة، وها هي اليومَ تدخُلُ في المشروعات الكبيرة، وهي كبيرةٌ بقدر الثقة بالله، وكبيرةٌ بقدْر الطموح الذي يقيمُ في نفوس أعضائها وأنصارِها ومُحبّيها. إنّ رجالات جمعية البحر لا يقولون: نحن لا نعمل حتى نرى ماذا يفعلُ الآخرون، بل يقولون: نحن نعمل، وندفعُ زملاءنا للعمل. ولنسمعْ ماذا قال الأنصار للنبي صلواتُ الله وسلامُةه عليه عندما استنصرهم قبل إحدى المعارك، قالوا له صلواتُ الله وسلامُهُ عليه: والله لا نقولُ لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى، أُخرُجْ أنت وربُّك فقاتِلا إنّا ها هنا قاعدون، بل نقولُ لك: أُخْرجُ أنت وربُّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون. قبل سنوات جئت الى هنا وكنت اصاحب والدي رحمه الله، أذكره كان والدي يكرر أمامي قولا حفظته عنه، بسيط لكنه عميق بفكرته، كان يقول: “الظلم إن دام دمَّر، والعدل إن دام عمَّر”. سنظلّ مع العدالة وسنبقى أمناء لشهدائنا ولمدينتنا ولوطننا ولدولتنا ولأمتنا. سنظلُّ معاً نحن وجمعية جامع البحر، على طريق الخير والعِزّة والعمل الصالح، وكذلك سوف يبقى الصيداويون واللبنانيون إن شاء الله. كلُّ رمضان وأنتم بخير.

رأفت نعيم

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *